العقيدة العسكرية والأمنية لإيران- التهديدات المتصاعدة والاستراتيجيات الدفاعية.

المؤلف: رمضان بورصة09.08.2025
العقيدة العسكرية والأمنية لإيران- التهديدات المتصاعدة والاستراتيجيات الدفاعية.

مع انطلاق عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر عام 2023، أصبحت الهجمات التي شنّها كل من حزب الله وأنصار الله، وهما عنصران أساسيان في "محور المقاومة" الذي تقوده إيران ضد إسرائيل، بغرض دعم قطاع غزة، سببًا في جعل إيران عرضةً للاستهداف من قبل إسرائيل والدول الغربية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى الرغم من تأكيد إيران على أن قرار شن هذه الهجمات على إسرائيل من قبل كل من حزب الله وأنصار الله والحشد الشعبي، قد اتخذته هذه التنظيمات بشكل مستقل، فإن إسرائيل والولايات المتحدة أصدرتا بيانات رسمية تحمّل طهران المسؤولية الكاملة عن الأعمال العسكرية التي تقوم بها هذه الجماعات.

ومن زاوية أخرى، نفت إيران بشكل قاطع مسؤوليتها عن العمليات العسكرية التي نفذتها فصائل محور المقاومة، وفي الوقت نفسه، سعت جاهدةً إلى منع تشكيل أي مناخ أو بيئة قد تدفعها نحو الانزلاق إلى حرب شاملة، وذلك من خلال تفعيل نفوذها القوي وتأثيرها الملحوظ على هذه الفصائل.

لكن سلسلة الأحداث المتلاحقة، بما في ذلك الأنشطة العسكرية المتزايدة التي نفذتها فصائل المحور ضد إسرائيل، واستهداف إسرائيل لقائد حركة حماس، إسماعيل هنية، في قلب العاصمة الإيرانية طهران، ثم قصف الأراضي الإيرانية لأول مرة من خلال هجمات صاروخية مباشرة، بالإضافة إلى عودة دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الرئاسة الأمريكية؛ كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تصاعد ملحوظ في احتمالات وقوع هجوم عسكري أميركي- إسرائيلي مشترك ضد إيران.

في المقابل، تقوم واشنطن، التي تمتلك بالفعل العديد من القواعد العسكرية الضخمة، والطائرات المقاتلة المتطورة، والسفن الحربية المتمركزة في المنطقة، مؤخرًا بتعزيز وجودها العسكري من خلال نشر قاذفات إستراتيجية بعيدة المدى من طراز B-2 Spirit في قاعدة دييغو غارسيا، الواقعة في قلب المحيط الهندي.

وقد أكد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مرارًا وتكرارًا أنه لن يسمح على الإطلاق لإيران بامتلاك أسلحة نووية، واستمر في إطلاق تصريحات قوية اللهجة بشأن احتمال شن هجوم عسكري، حتى بعد الإعلان عن إجراء مفاوضات سرية ومباشرة بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عُمان، قائلاً بوضوح: "إذا كان التدخل العسكري ضروريًا وحتميًا، فسوف نتدخل عسكريًا بكل تأكيد. ومن الواضح تمامًا أن إسرائيل ستكون جزءًا لا يتجزأ من هذه العملية، ولكننا نحن من سيقود هذه العملية، ولا يمكن لأي طرف آخر أن يقودنا أو يوجهنا. نحن نفعل ما نريد وما نراه مناسبًا لمصالحنا".

وقد أدى هذا التصعيد الخطير الذي بدأ في السابع من أكتوبر عام 2023 إلى طرح سؤالين محوريين على الساحة الدولية: "هل سيحدث تدخل عسكري وشيك ضد إيران؟" والسؤال الآخر هو: "هل ستغير إيران عقيدتها العسكرية الراسخة؟".

العقيدة العسكرية لإيران

تستند العقيدة العسكرية لإيران بشكل أساسي إلى التصنيف الذي وضعه آية الله الخميني للعالم إلى ثلاث فئات رئيسية، وذلك بعد الثورة الإسلامية التي اندلعت في عام 1979، وهذه الفئات هي: المسلمون المتأثرون بشكل كبير بإيران، والعالم الاشتراكي الذي يتبع نهج الاتحاد السوفياتي، والعالم الرأسمالي الذي يتبع سياسات الولايات المتحدة الأميركية.

وقد قام آية الله الخميني، ضمن هذا الإطار المحدد، بتصنيف الدول وفقًا لمفهوم العدو في العقيدة العسكرية الإيرانية على النحو التالي:

  1. العدو المطلق واللدود: الولايات المتحدة وإسرائيل.
  2. الدول العدوة الحليفة للولايات المتحدة وإسرائيل.
  3. الأعداء الداخليون الموجودون داخل الأراضي الإيرانية؛ مثل منظمة مجاهدي خلق، وحركة الأحواز، وجيش العدل، المعارضين بشدة للثورة الإيرانية.

وبناءً على ذلك، فإن العقيدة العسكرية لإيران تمتلك بنية معقدة ومتعددة المستويات تشمل الداخل والخارج على حد سواء. وقد تم تنظيم الحرس الثوري الإيراني وتشكيله بما يتوافق تمامًا مع المبادئ الأساسية التي وضعها آية الله الخميني.

والعقيدة العسكرية الإيرانية لا تركز بشكل أساسي على "الهجوم" العسكري المباشر، بل تركز بشكل أكبر على "الدفاع" القوي. حيث تعتبر أن حماية الأراضي الإيرانية وسيادتها ترتكز بشكل أساسي على منع التهديدات المحتملة من خارج الأراضي الإيرانية دون الحاجة إلى شن هجوم عسكري استباقي. ولهذا السبب تحديدًا، فإن "مشروع محور المقاومة" قد أُسّس وتشكّل كجزء لا يتجزأ من العقيدة العسكرية الإيرانية، وذلك بهدف حماية أراضي إيران من التهديدات الخارجية.

وفي هذا السياق، فإن التشكيلات المسلحة المتنوعة مثل حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وأنصار الله في اليمن، والتشكيلات المقاتلة الأخرى مثل "الفاطميون والزينبيون" التي كانت تنفذ عمليات عسكرية في سوريا قبل الثامن من ديسمبر عام 2024، تُعتبر جميعها جزءًا لا يتجزأ من العقيدة العسكرية الدفاعية لإيران.

وفي هذا الصدد تحديدًا، أُسست الوحدة العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، والتي أُطلق عليها اسم "مقرّ رمضان" في الثلاثين من أبريل عام 1983، ولاحقًا أصبحت تُعرف باسم "فيلق القدس"، وكانت مهمتها الأساسية والرئيسية هي ضمان أمن إيران القومي من خلال إنشاء تشكيلات مليشياوية مسلحة خارج الأراضي الإيرانية، وتنفيذ أنشطة عسكرية واستخباراتية متنوعة، سواء كانت علنية أو سرية.

ومع ذلك، فإن تضرر تلك التشكيلات التابعة لـ "محور المقاومة"، والتي تُعتبر جزءًا أساسيًا من العقيدة العسكرية الإيرانية، بشكل كبير وملحوظ بعد عملية طوفان الأقصى، يُظهر بوضوح أن خط الدفاع الإيراني الخارجي قد تضرر بدرجة كبيرة ومقلقة.

المناورات العسكرية الإيرانية من منظور العقيدة العسكرية

لم يؤدِّ استهداف إسرائيل لأراضي إيران بشكل مباشر بالصواريخ في شهر أكتوبر من عام 2024، وفوز دونالد ترامب مجددًا في الانتخابات الرئاسية الأميركية، إلى إحداث تغيير جذري في العقيدة العسكرية لطهران، ولكنهما تسبّبا بلا شك في تحوّل كبير في إدراك التهديد العسكري الذي تواجهه إيران.

حيث إن قيام إسرائيل بضرب إيران بشكل مباشر من خلال هجوم صاروخي، والاحتمال القوي بأن يختار ترامب خيار التدخل العسكري التقليدي، دفعا الإدارة الإيرانية إلى الإسراع في تنفيذ مناورات عسكرية مكثفة ومتلاحقة لضمان أمن البلاد وحماية مصالحها الحيوية.

وفي المناورة الأولى التي أجرتها إيران، طُبقت سيناريوهات متنوعة تركز بشكل كبير على حماية منشآت نطنز وهُنداب وفوردو النووية من الهجمات الجوية المحتملة، وشملت هذه المناورات اختبارًا شاملاً لقدرات الدفاع الجويّ الإيراني.

وبالتزامن مع هذه المناورات الجوية المكثفة، أجريت مناورات أخرى في مجالات الأمن السيبراني، والحرب الإلكترونية، والقوات الخاصة، ومكافحة الإرهاب.

وفي هذا السياق، يُلاحظ بكل وضوح أنّ المناورات العسكرية ركّزت بشكل أساسي على تنسيق قدرات أنظمة الدفاع الجوي والأمن السيبراني، والحرب الإلكترونية المتطورة، إضافة إلى القوات البرية والعناصر الجوية المختلفة، وذلك في مواجهة الهجمات الجوية المحتملة ضد المنشآت النووية ومرافق الطاقة الحيوية والمرافق العسكرية الإيرانية الهامة.

كذلك، لُوحظ أن مناورات القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب التي جرت في كرمنشاه شملت عناصر من الطيران الحربي الأرضي، ووحدات الكوماندوز المدربة، ووحدات الإنزال الجوي السريع. ومن اللافت أيضًا أن التدابير الموجهة ضد التهديد الإرهابي المحتمل من حدود إيران مع كل من أفغانستان وباكستان كانت في صدارة هذه المناورات.

وانضمت خلال هذه المناورات سفينة استخباراتية متطورة إلى قوات البحرية ضمن ترسانة زاغروس البحرية، وكذلك عُرضت قواعد الصواريخ البحرية السرية تحت الأرض التابعة للقوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني، كما تم اختبار أنظمة صواريخ متطورة مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي من قبل القوات البحرية الإيرانية.

وبشكل عام، تشير سلسلة المناورات العسكرية الواسعة التي أجرتها إيران في أعقاب الهجوم الصاروخي الإسرائيلي إلى حدوث تحوّل ملحوظ في إدراك التهديد، ولكنها في الوقت نفسه لا تُظهر حدوث أي تحديث جوهري في العقيدة العسكرية القائمة على الدفاع.

عقيدة إيران النووية

تتشكّل عقيدة إيران النووية وفقًا لفتوى آية الله خامنئي، والتي تحظر بشكل قاطع إنتاج أي نوع من أسلحة الدمار الشامل أو توريدها أو تخزينها.

ورغم أن إيران، وفقًا لفتوى آية الله خامنئي، ترفض بشكل قاطع امتلاك أسلحة نووية، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن طهران لا تملك طموحًا دفينًا لامتلاك السلاح النووي. فامتلاك السلاح النووي يمكن أن يلعب دورًا رادعًا قويًا ضد الهجمات المحتملة، ولكنه في الوقت نفسه يمكن أن يجعل البلد هدفًا رئيسيًا للهجمات الانتقامية.

ورغم أن الوضع الأمني المتقلب في المنطقة خلال السنوات الأخيرة قد خلق بيئة قد تدفع إيران لتغيير عقيدتها النووية الراسخة، فإن ذلك ليس سببًا كافيًا بحد ذاته لاتخاذ مثل هذه الخطوة.

وفي وقت تتزايد فيه حالة عدم الاستقرار في المنطقة من منظور أمنها القومي الخاص، بدأت إيران تصدر تصريحات متباينة ومتضاربة بشأن الأسلحة النووية.

لم يغير المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية آية الله خامنئي، في آخر خطاب له، من موقفه التقليدي الثابت في هذا الشأن، وأعلن بوضوح أن "إيران لا تسعى بأي حال من الأحوال لامتلاك أسلحة نووية". لكن مستشاره الأول والممثل الخاص له، علي لاريجاني، قال في تصريح مفاجئ إن "الضغوط العسكرية الأميركية المستمرة قد تدفع الشعب الإيراني إلى الضغط على الحكومة من أجل امتلاك السلاح النووي"، مشيرًا بذلك إلى احتمال حدوث تغيير جوهري في العقيدة النووية الإيرانية. وقال أيضًا: "إذا ما ظهر تهديد وجودي حقيقي، فإن إيران ستغير عقيدتها النووية. لدينا القدرة الكاملة على إنتاج السلاح النووي، وليست لدينا أي مشكلة فنية أو تقنية في ذلك".

من ناحية أخرى، تدعم تقارير الاستخبارات الأميركية تصريحات آية الله خامنئي المتكررة والتي يُشدد فيها على أن "إيران تمتلك المعرفة والقدرة اللازمة لإنتاج السلاح النووي". كما أكدت تقييمات تقرير الاستخبارات الأميركية لعام 2007 أن إيران، في حال قررت ذلك، تمتلك القدرة العلمية والتقنية والصناعية التي تمكنها من إنتاج السلاح النووي.

بعبارة أخرى موجزة، رغم أن إيران تُعرف منذ فترة طويلة بأنها على "العتبة النووية"، ورغم امتلاكها تكنولوجيا نووية متطورة ومهمة، فإنها لم تختر بعد اتخاذ قرار بامتلاك السلاح النووي.

وهذا يعني بوضوح أن امتلاك بلد ما للمعرفة والتكنولوجيا اللازمة لإنتاج السلاح النووي لا يكفي وحده، بل إن تشكل إرادة سياسية قوية تدعمها تطورات اقتصادية واجتماعية وإقليمية وعالمية هو ما يُعد شرطًا أساسيًا وحاسمًا لاتخاذ قرار بامتلاك السلاح النووي.

وبالتالي يمكن استنتاج أن إيران، رغم تطور إدراكها للتهديد العسكري في ضوء التطورات الأخيرة، لم تُحدِث تغييرًا جوهريًا في عقيدتها العسكرية والنووية.

وفي النتيجة النهائية، فإن حدوث تغيير جذري في العقيدة العسكرية والنووية لإيران يبدو أمرًا صعبًا للغاية إن لم يكن مستحيلًا، وذلك للأسباب التالية:

  1. إيران ستفضّل دائمًا منع كل التطورات التي قد تؤدي إلى استهدافها عسكريًا، وذلك لضمان استمرارية نظام الثورة الإسلامية ونقل السلطة بسلاسة بعد رحيل آية الله خامنئي.
  2. الاقتصاد الإيراني الحالي غير قادر على تحمل عقوبات اقتصادية جديدة مشددة. فقد أضعفت القيود المفروضة على التجارة الخارجية، خصوصًا صادرات النفط، الاقتصادَ الإيراني بشكل كبير، وأدّت لانهيار قيمة العملة المحلية بشكل متسارع مقابل الدولار الأمريكي.
  3. يعاني المجتمع الإيراني من مشاكل هيكلية جدّية وعميقة؛ مثل تفشي الفساد المستشري، والخلل الواضح في النظام القضائي، والمعايير المزدوجة في تطبيق القانون، وغياب الحريات الأساسية. وهذه المشاكل المتراكمة قد تؤدّي حتمًا إلى اندلاع احتجاجات شعبية جديدة واسعة النطاق في البلاد.
  4. بإمكان أي تدخل عسكري خارجي أو اضطرابات اجتماعية داخلية تهدد أمن الدولة أن تخلق بيئة مواتية لزيادة نشاط الجماعات المسلحة المتطرفة داخل البلاد وعلى الحدود.
  5. حزب الله والحشد الشعبي، اللذان يُعتبران جزءًا أساسيًا من عقيدة إيران العسكرية، تكبّدا خسائر فادحة وكبيرة، واضطرت إيران للانسحاب التدريجي من سوريا التي أنفقت فيها مليارات الدولارات لأغراض دفاعية، ما ألحق ضررًا كبيرًا بـ "خط الدفاع الخارجي" في عقيدتها العسكرية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة